قابس عبر التاريخ
الأستاذ بلقاسم بن محمد بن جراد
المقدمة
ارتبط اسم قابس بمجموعة من القرى والمدن ملتفة حول بعضها، تحيط بها واحة غناء - وبحر جميل وجبال متوسطة الارتفاع، وصحرا ء ليست باابعيدة عنها.
هذه القرى، وهذه المدن، تختلف من حيث المساحة والأهمية باختلاف دورها التاريخي الذي قامت به عبر العصور، ولو أن منطقة ''المنزل'' ومنطقة ''جارة'' ومنطقة ''شنني'' ومناطق ''تبلبو ومطرش وشط سيدي عبد السلام والنحال وبوشمة'' هي الساحة الفسيحة والمتقاربة والمتّصلة ببعضها اتصالا مباشرا هي التي اشتهرت بهذا الاسم، لكن مناطق الحامة ومطماطة ومارث والمطوية ووذرف وغنوش البعيدة نسبيا عن هذا التجمع المتقارب، هي الأخرى تجمّعات ارتبط تاريخها بتاريخ قابس، وهي جزء منها، وكذلك التجمعات الصغرى، ككتّانة والزارات والزركين وعرام من الناحية الجنوبية، والمدو وما حولها من الناحية الغربية.
لذا فإنّ الحديث عن تاريخ ''قابس عبر التاريخ'' سيشمل كل هذه المناطق، سوا ء مباشرة او اغير مباشرة. كما ان الحديث في هذا المقام سيكون مرتبطا بتاريخ المدن المجاورة لقابس، والخارجة عنها، الآن مثل جزيرة جربة التي ارتبط تاريخها في فترة ما بتاريخ قابس وحكام قابس في عهد دولة (بني مكي) التي استقلت بقابس عن الدولة المركزية، وكذلك صفاقس التي سيطر عليها احمد بن مكي سنة 757 ه/1356 م ولو بصورة وقتية وكذلك لجأ أميرها البرغواطي إلى امير قابس المستقل، وكذلك قفصة، وبلاد الجريد اللتان كانتا مسرحا للصراع الذي وقع أثنا ء هجوم أبي إسحاق الميوراقي عليها وعلى قابس، وكذلك المهدية التي حدث صراع بين حكامها وحكام قابس في عهد (رافع بن مكي بن جامع) امير دولة بني جامع وبين (علي بن يحيى بن تميم) امير مهدية، وكذلك القيروان وتونس.
كذلك ارتبط قابس بمنطقة طرابلس الغرب في حقب مختلفة من التاريخ، وأصابها ما أصاب قابس من محن واضطرابات وقلاقل، وفدتها قابس عند استيلا ء الجنويين عليها، كما حكمها (أحمد ابن مكي) وابنه (عبد الرحمان). كما كانت هناك علاقات مع دولة بنى مرين بالمغرب الأقصى، في عهد إمارة بني مكي. كما أن منطقة الجنوب الشرقي والغربي من قابس كانت مساحة رحبة لتسجيل هذا التاريخ، خصوصا منصقتا نفزاوة (قبلي) والمرازيق (دوز) اللتان كانت جزء من هذا التراب إلى فترة ما بعد استقلال تونس.
لذا فان الحديث سيكون شاملا وواسعا، مرتبطا بالتسلسل التاريخي الزّمني من فترة ما قبل التاريخ إلى للآن، مؤمنين ومقدرين بان هناك صعوبات جمة سوف تعترضنا أثنا ء هذه الدراسة، معتمدين على اللّه وعلى ما كتب عن قابس، ولو نتفا قليلة، وما بقي من آثار اكتشف القليل منها لحد الآن، من ما قبل التاريخ إلى الدّور البربري، والفنيقي والروماني والوندالي والبزنطي والإسلامي العربي وما تواتر من الرواية الشفوية عن تاريخ قابس من كبار المسنين.